ترى عيناها قبل لسانها تروي مسيرة حياتها.. ذلك الحنين إلى بيئة الطفولة يتماثل أمامك حاضراً وهي تقص عليك ذكرياتها، حياة مهنية ذاخرة مليئة بقصص تستخلص من خلالها حياة مجتمع بأسره، مارست الصحافة بكل جوارحها.. عايشت من خلالها #قضايا المجتمع فكانت العضو الفاعل والمميز.. اسمها غني عن التعريف لأنها من #أوائل الصحفيات #الإماراتيات اللواتي لمع نجمهن في مهنة المصاعب.. إنها الصحفية الأستاذة خيرية ربيّع.

الحياة بكل تناقضاتها

تدفق الحنين إلى تلك الأيام عندما حدثتنا خيرية ربيّع عن طفولتها فقالت..  ولدت في إمارة عجمان التي تشكل لي ذاكرة جميلة جداً، ومازالت ملامحها في تلك الفترة حاضرة أمامي، فكلما ذهبت إلى هناك تقفز صور عجمان القديمة التي قضيت فيها طفولتي، وأذكر منطقة الحالّة والخور والجرف الذي كنا نمر به ليلاً لننزل البحر الذي يشبه طبقاً من الفضة يغريك بالخوض فيه، فهي بالنسبة لي ذاكرة وذكرى طفولية مترسخة في ذهني وروحٌ أحياها.

واسترسلت ربيّع في حديثها بالقول .. بعمر الست سنوات انتقلت مع خالتي إلى #الكويت وسكنا على البحر، وبدأت هناك بالمرحلة الابتدائية، معقبة.. شعرت أن علاقتي بالبحر حميمة جداً، وأنني أنتمي إليه، فالبحر كان يشكّل حياة لنا دون أن ندري، فكنا نرى آباءنا يأتون من السفر عبر البحر فنركض إليهم عبر المياه ليرفعونا على أكتافهم، فالبحر بقدر ما هو رزق وغنيمة يشكّل أيضاً أهوالاً ومصاعب فهو الحياة بكل تناقضاتها.

خطوة الألف ميل

وتابعت ربيّع بالقول.. بعد فترة عدت إلى عجمان لكن مدرستها لم تضم الصف الرابع كونها حديثة العهد، فاضطررت للذهاب إلى الشارقة حيث كانت إحدى قريباتنا تقطن هناك فأقمت معها، مشيرة إلى أنه قبل أن تسكن في الشارقة كانت تأتي من عجمان سيراً على الأقدام مع مجموعة من الطلاب، وفي بعض الأحيان كانت تقلهم السيارات الذاهبة إلى دبي.

تروي لنا تواضع شيوخنا منذ ذلك الحين وكيف كان سمو الشيخ علي بن راشد النعيمي يقلً طلاب عجمان مع أبنائه إلى الشارقة ليوصلهم إلى المدارس ثم يعود لأخذهم بعد انتهاء الدوام حيث كانت صديقة ابنته الشيخة شيخة، مؤكدة أن هذا يكشف عن العلاقة الإنسانية بين الجميع في ذلك الوقت والتي تعبر عن روابط اجتماعية رائعة.

وتضيف ربيّع .. إن المدرسة بحد ذاتها كانت تعبر عن حالة اجتماعية فكانت علاقة المدرس والطالب احتراماً متبادلاً، وكنا نشعر أن أساتذتنا بمقام أهلنا الذين يدعموننا ويوجهوننا بكل ما هو خير لنا، مبينة مدى شغف جيلها بالعلم فتقول.. في ذلك الزمن كان مجرد حصولنا على ورقة أو قطعة من مجلة يصيبنا بالفرح لكوننا سنقرأ شيئاً جديداً وهي غالباً ما نحصل عليها من الشارع حيث يكون أحد ما رماها، فتشعر وكأنك حصلت على غنيمة ثمينة.

حراك مجتمعي

قالت ربيّع.. في نهاية المرحلة المتوسطة عدت إلى الكويت، وتزوجت ثم أكملت بعد ذلك الثانوية في مصر، ثم عدت إلى دبي وكان المجتمع في مرحلة تغير وتحول، حيث التقيت بنخبة من الأخوات مثل الدكتورة حصة لوتاه والشيخة عليا بنت سهيل، وشريفة بنت حسن وغيرهن، ونحن كأبناء تلك المرحلة كان تشكيل وعينا بطريقة مختلفة، حيث يرتبط بحراك المجتمع، وكنا على صلةّ بكل ما يحدث على المستوى السياسي سواء الإقليمي أو العربي، كما كانت هناك نخبة من النساء معنيات بالجمعيات النسائية وانضممت وقتها إلى جمعية النهضة النسائية التي كانت مختلفة عن باقي الجمعيات، فأي نشاط نضعه لابد أن يكون مطلباً أساسياً للنساء اللواتي أسست الجمعية من أجلهن وبالتالي يكون هدفاً أساسياً لها.

وأضافت ربيّع.. إن الجمعية اهتمت كثيراً بتعليم النساء اللواتي لم يكملن تعليمهن، فوجدن في هذا المكان فرصة للتعلم ومتابعتهن في جميع المراحل حتى الجامعة، ولذلك كان لجمعية النهضة الريادة في ذلك.

آفاق مفتوحة

تستمر ربيّع برواية مسيرة حياتها الحافلة فتقول.. كان لي الشرف بتشكيل الاتحاد النسائي مع قلة من النساء اللواتي كن قادرات للذهاب إلى أبو ظبي لحضور الاجتماعات، وكان ذلك بدعوة وفضل من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك (أم الإمارات)، وتحت مظلة الاتحاد النسائي فتحت لنا آفاق للمشاركة بالمؤتمرات الداخلية والخارجية التي تثريك وتعلمك كيفية النظر إليها من زوايا مختلفة لكي تستطيع طرح حلول لها ما يوسّع أفقك ويشكل وعيك ويصبح لديك مستنداً فكرياً بكل ما يحيط بك وعلى كافة المستويات.

آفاق

دخلت ربيّع بعدها مجال الصحافة وقالت في ذلك.. كل ما خضته سابقاً ساهم بانخراطي في العمل الصحفي، الذي جاء صدفة ودون تخطيط، ففي العام 1979 أنشأ السيد غانم غباش والدكتور محمد غباش مجلة “الأزمنة العربية” في إمارة الشارقة، وكانت تربطنا بهم علاقة صداقة وكانا أقرباء الدكتورة حصة لوتاه صديقتي، التي اقترحت عليّ العمل في المجلة وطرحت الفكرة على الاستاذ غانم الذي رحب بالموضوع.

وتابعت ربيّع .. بدأت عملي كمحررة في قسم المحليات الذي فتح لي آفاقاً للتعامل مع شخصيات مختلفة من المجتمع سواء الشخصيات العادية أو المسؤولين والمؤسسات على اختلافها، والاطلاع على كافة قضايا المجتمع فاستهوتني هذه المسألة ووطدت علاقتي بالناس، مبينة أن الصحافة فتحت لها آفاق معرفة تخصصية غير تقليدية من خلال ما وفرته مجلة “الأزمنة العربية” من برامج تدريبية داخلية لتحفيز وصقل مهارات الصحفيين المبتدئين بما يتوازى ومفهوم التعليم المستمر الذي اختص بالتحرير الصحفي والتصوير الصحفي والإجادة اللغوية إضافة لفن الطباعة، وهذا وضعها أمام تحد لإثبات الذات المعرفية فوازت التدريب بانتهاج التعلم الذاتي شبه الممنهج في مجال الصحافة.

وأضافت.. إن تحقيقاتي التي أنجزتها في مجلة الأزمنة العربية هي التي أعتبرها إنجازاً مميزاً لأنها اختباري الأول في هذا الميدان، وهي التي خلقت اسمي وأطلقته ووسمتني بثقة الاختلاف والتميز، والانطلاق نحو خوض تجارب عمل صحفي في مؤسسات صحفية مختلفة ومتعددة استطعت أن أحقق فيها مهنية مثنى عليها.

تقدير الناس امتياز

بعد ذلك انتقلت ربيّع لمجلة “أوراق” ولكنها لم تبق كثيراً فالمكتب كان فرعياً ولا يحقق طموحها في العمل، لتنتقل بعدها إلى #صحيفة_الخليج، مشيرة إلى أن استقبالهم لها كان جميلاً لاسيما غسان طهبوب وراشد عمران، حيث عملت في قسم المحليات الذي أصبح جزءاً منها لأنه الأكثر ارتباطاً بالناس، وبعد عامين قدمت لصحيفة #الاتحاد حيث استقبلها عبد الله النويس أجمل استقبال كما دعمتها عبلة النويس أيضاً، وكل ذلك كان يشعرها بتقدير الناس لها معقبة..وهو بالنسبة لي امتياز لا يعادله أي امتياز آخر.

في الاتحاد تدرجت ربيّع وعملت بداية في قسم المحليات، ليسند إليها بعد ذلك شعبة التحقيقات، ثم صدر قرار بأن تكون في المحليات والثقافة بحكم ارتباطها بالواقع والقضايا الثقافية، ثم أشرفت على صفحة “المرأة والمجتمع”، لتتفرغ بعدها لهذه الصفحة مع كتابة عمود “ظلال”، ثم أسندوا إليها رئاسة قسم الثقافة والمنوعات، لافتة إلى أنها كانت دائماً تشعر باندفاعية أكبر كلما واجهت ثناء على عملها، وبقيت في الاتحاد إلى حين تقاعدها عام 2005.

بعد التقاعد، مارست ربيّع كل ما يمكن أن يفعله الناس من السفر وزيارة الأماكن وغيرها لكنها شعرت بفراغ كبير داخلها، لأن كل ما يقوم به الإنسان إن لم يشكل له رافداً فهو يعتبر عاملاً من عوامل الإحباط، مبينة أنه كان في ذهنها عدة مشاريع كتابية حيث استعادت نشاطها مؤخراً وستنجز مشروعها وهو عبارة عن 3 كتب إضافة لالتزامها مع مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث كباحث حر، حيث تعمل على لقاء الرواة في التاريخ الشفاهي.

التميز يفرض نفسه

حول رأيها في النقص بالكادر الصحفي النسائي الإماراتي قالت .. يعود ذلك لعدة أسباب منها مخرجات التعليم في أقسام الإعلام بالجامعات، والثاني يعود للمرأة ذاتها في توجهها لهذا العمل والفكر الذي يربطها بهذا العمل، وماذا تريد منه وماهي نظرتها المستقبلية لهذا العمل، والثالث هو الإبهار فنحن في عصر الإبهار ونرى أن الكثير من الشباب من الجنسين يفضلون أن يكونوا مذيعين لكن لا يملكون الصوت المناسب وأخطاءهم اللغوية فادحة والحضور غير لافت فكل ما يهمهم هو الصورة لكن ذلك لن يدوم.

وأشارت إلى أن أغلب الشباب لا يرغبون بصياغة الخبر لأنه يحتاج إلى جهد ذهني وهذا لا يجذب إلا صاحبه فإن كنت إنساناً خلاقاً ومفكراً سيجذبك العمل الذهني الذي يتطلب الابتكار والإبداع، ولذلك نرى الكثيرين ينساقون إلى التقليدية والاعتيادية في عملهم، ولذلك عندما ننظر إلى النساء العاملات في الصحافة لا نجد أسماء مميزة رغم وجود الكثيرات فالتميز هو ما يفرض نفسه.

وقالت آسفة .. المجتمعات عادة تشكل تراكمات للأجيال من خلال كوادرها في أي مجال على مر السنين ومنها المجال الصحفي، ولكن للأسف ليس لدينا هذه التراكمات، سواء على صعيد الشباب أو الشابات على الرغم من الأعداد الكثيرة التي تدرس في أقسام الإعلام في الجامعات.

أجرت اللقاء: رحاب عمورة

نشرت سابقا في #مجلة #المضمار عام 2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *