من الإذاعة بدأت وإلى الإذاعة تعود.. أول صوت إذاعي نسائي يصدح في الإمارات.. بشغف لا حدود له ومن قلب المعاناة، وبمحض صدفة تفخر بها دخلت الإعلام، وجه نسائي نقل صورة الإمارات إلى العالم بأروع شكل، أصيلة بأصالة الموروث الذي تسعى بكل ما أوتيت من قوة لحفاظ عليه.. إنها الأستاذة حصة العسيلي “أم الإعلام” في حديث مع مجلة المضمار
فقد والدتي منعطف حياتي
بالتأثر ذاته وبالحرقة نفسها يوم الحدث الجلل، حدثتنا العسيلي عن وفاة والدتها التي كانت عمود البيت كما وصفتها، ذلك الفقد أربك الأسرة وهز كيانها بعد أن كانت الحياة مستقرة، فانهار الوالد ولم يعد يقوى على العمل، فكان لابد لأحد أن يمسك زمام الأمور ويعمل ليعيل العائلة، وبما أنها كانت الفتاة الوحيدة في المنزل بعد زواج شقيقتها وليس لديها أشقاء ذكور، كانت هي فرس السباق المراهن عليه.
وباستعادة لتلك الذكريات قالت العسيلي إنه رغم عملها في الإذاعة المدرسية إلا أنها كانت تشعر أنه منبر صغير على حجم طموحاتها وأفكارها التي تريد طرحها، وفي منعطف كبير في حياتها بموت والدتها وبمحض صدفة، انطلقت في تلك الفترة إذاعة “صوت الساحل” في المحطة داخل المعسكر البريطاني بالشارقة تحت إدارة المعتمد البريطاني، واستقطبت العديد من الأخوة العرب الفلسطينيين والأردنيين المقيمين في الدولة وصدف أن زوجة أحدهم كانت مدرّستها وعرضت عليها العمل بالإذاعة، ولكل الأسباب السابقة وافقت وكانت البداية.
الدافع شغف ومعاناة
سردت لنا بعض ذاتها بالقول.. كنت أذهب إلى المدرسة صباحاً ثم إلى الإذاعة بعد الظهر حتى الساعة الحادية عشرة ليلاً لأعود مجدداً إلى المنزل وأعد طعام والدي لليوم التالي، وهذه من الأشياء الجميلة التي أتذكرها في حياتي.
وبتأكيد على أن الأمل يجب ألا يخبو في نفس الإنسان قالت العسيلي.. في ذلك الزمن كانت جميع الفتيات يتكلمن عن السفر للدراسة في الخارج، وكان ذلك يشعرني بالحزن لكنني كنت أمنّي نفسي بإحراز تقدير كبير للحصول على بعثة للسفر، وأحرزته فكان معدلي حينها 86.5 % ودافعي وراءه هو الشغف بالسفر للدراسة والمعاناة التي أردت التخلص منها.
وزادتنا من ذكرياتها بالقول.. حصلت على بعثة للكويت في العام 1969 وعمل في تلفزيون الكويت بدبي فكنت أدرس وأعود للعمل صيفاً، إلى أن أعلن قيام الاتحاد عام 1971 فانتقلت لتلفزيون أبو ظبي لأعمل هناك حتى عام 1974، وبعدها تغيرت حياتي حيث كنت أحضر الماجستير وكان لدي شغف بالذهاب إلى بيئة أشمل ثقافيا فانتقلت إلى مصر، وهناك اتسعت مداركي وصرت أكثر إلماماً وبدأت أكتب الشعر.
نقل صورة الوطن
وبوجه يؤكد على أن نقل صورة الوطن مسؤولية ليست بالسهولة التي يظنون قالت العسيلي.. خلال دراستي بالقاهرة شاركت دولتي في معرض القاهرة الدولي فطلبوني للمشاركة معهم فتغيرت مسيرة حياتي وانتقلت إلى الإعلام الخارجي وأصبحت مسؤولة عن نقل صورة الوطن إلى الخارج كتاريخ وحضارة، فكم كان التحدي كبيراً بأن تظهري للعالم كوجه نسائي من بلد لا يعرفون عنه شيء، ولأصبح بعدها أول مفوض عام لجناح دولة في الإكسبو العالمي في إسبانيا عام 1992 وتلاها لشبونة وهانوفر حيث حصلت هناك على منصب لم يشغله أحد قبلي من العرب لا رجل ولا امرأة وهو عضو لجنة التسيير والمتابعة وبه ختمت مسيرتي في وزارة الإعلام .
تضيف العسيلي .. بعدها انتقلت للعمل الحر لأحقق ذاتي ورؤيتي الأشمل في مجال المعارض والمؤتمرات واستطعت عمل أكثر من مؤتمر عالمي للمرأة والمشاريع المتوسطة والصغيرة لخدمة الأجيال، والآن ردّني الشغف الأول إلى إذاعة “الأولى” وأتمنى أن أعطي فيها أكثر من قبل لأنني أصبحت أكثر اطلاعا وقدرة على صنع الفارق الذي نحتاجه وأتمنى أن أكون زراً في ماكينة مكتب حمدان بن محمد لإحياء التراث.
السر في المسمار
حول تعلمها صنع القهوة من المغفور له سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله قالت.. إن سمو الشيخ زايد حضر معرضنا بالقاهرة عام 1988 وكان شرف نناله بحضوره حيث أعيدت العلاقات مع مصر من جناحنا في المعرض ذاته بعد انقطاعها سنة 1978، وبعد عودة الشيخ زايد للفندق اتصل يطلب حضوري وهنا ارتبكت وظننت أن خطباً ما حصل، فقال لي كل شيء تمام ماعدا شيئين سألتك عن فوائد الزنجبيل لم تعرفيها كلها فدعي الكبار يعلمونك، وطالما أنت في هذا المكان فلابد أن تعرفي كل شيء عن بلادك، والقهوة عندما تصنعونها ضعوا فيها مسماراً فالقهوة لديكم ليس فيها مسمار، ومن يومها باتت قهوتنا مميزة في كل المعارض.
بفخر أردفت.. ومن يومها تشرفت بأن الشيخ زايد كان وراء كل نجاح حققته دولة الإمارات، فقد حصلت دولة الإمارات على 78 ميدالية من أصل 150 معرضاً عملت على الإشراف عليها.
دبي الوجهة المستقبلية الواعدة
وفي سر تبوحه لأول مرة قالت لنا إنهم في العام 1999 عندما كانوا يجهزون للمشاركة بإكسبو 2000 في هانوفر طرحوا فكرة إقامة المعرض التالي في دبي، وجاؤوا فعلاً إلى الإمارات وقابلوا عدداً من سمو الشيوخ في الدولة، وكانت الفكرة المطروحة تحت شعار ( Dubai is future destination )، (دبي هي الوجهة المستقبلية الواعدة) وكان من ضمن الأفكار المطروحة أن يكون هناك مترو معلق في دبي، وبالفعل حدث ذلك رغم عدم إقامة المعرض حينها.
وتأكيداً على ثقتها أردفت.. قبل الفوز هذه السنة بإكسبو 2020 قلت على صفحتي بتويتر “جاهزية دبي غير قابلة للمنافسة” فقد ذهبت إلى أماكن كالمستنقعات وتحتاج إلى سنوات لتكون جاهزة لاستضافة إكسبو.
عادت مع “الأولى” والعود أحمد
إذاعة “الأولى” كانت العودة للشغف الأول بالنسبة للعسيلي، والعود أحمد فقالت.. “الأولى” هي أول إذاعة تعنى بموروث الإمارات الأصيل دون خلط، أتشرف أن أكون واحدة من مؤسسيها، وعلى الإعلاميين الذين نستقطبهم أن تكون لديهم القدرة على إيصال مفهومنا لنقل الموروث الأصيل، فنحن مع الحداثة ولكن على ألا تغير مضمون الأصالة بل تخدمها وتبرزها، وتظهر للناس أننا بلد ليس البترول من أعطاها شهادة الميلاد بل تاريخها ممتد لأكثر من 7000 سنة، فبلدنا تاريخ وحضارة وليس فقط تاريخ مدون بلا حقائق بل هو مثبت والامتداد العمري لهذه الأرض أكثر مما يتخيله البعض.
متحدثة بلغة الأصالة والتراث قائلة.. إننا نحتاج لخيول أصيلة لدخول هذا السباق وهي مراهنة على الموروث ويجب ألا نخلط الغث بالثمين، فالفارس لا يستطيع أن يفوز إن لم يكن حصانه أصيلاً وقوياً وهو ما نحتاجه في إذاعة الأولى.
حفظ الأجداد للأجيال
حول مشاريعها المستقبلية قالت.. أتمنى أن يصنع وجودي في الأولى حراكاً إعلامياً أصيلاً، فنحن نحتاج لإعلام أصيل غير مزيف أو مترجم، فحتى لهجتنا لا نستطيع المساومة فيها وبالتالي نحن نريد أن نعيد الإحساس بالجذور، وهذا شغف متعب لكنه واجب وطني إن لم نحمله نحن وأجيالنا القادمة فسوف يمحى مع الوقت، وهدفنا هو زرع قيمنا في أجيالنا المتتابعة، وتمنت أن تكون “الأولى” هي المنبر الأول لحفظ الأجداد للأجيال.
ووجهت رسالة للجيل الجديد.. من ليس له أول ليس له ثان، ونحن امتداد لأجيال حافظت على التراث ونتمنى من الجيل الجديد أن يحافظ على الموروث ويسير على نهج السابقين، وأن يكون هذا الجيل مصغياً ويحسن التعامل مع الموروث كما يتعامل مع الأجهزة الحديثة.
وختمت بالقول انتظروني في “بعض ذاتي وذكرياتي”
سيرة حصة العسيلي
- مواليد الشارقة، الإمارات العربية المتحدة.
- حاصلة على ليسانس آداب لغة عربية ودراسات إسلامية (جامعة عين شمس) جمهورية مصر العربية.
- حاصلة على دبلومين في الدراسات العليا في الأدب العربي، كلية البنات عين شمس ج.م.ع.
- أول إعلامية بدولة الإمارات العربية المتحدة في إذاعة صوت الساحل من الشارقة من 1965 إلى 1969.
- مذيعة بتلفزيون الكويت من دبي من 1969 إلى 1971
- كبير مذيعي تلفزيون وإذاعة أبوظبي من 1972 إلى 1974.
- مدير إدارة المعارض بوزارة الإعلام والثقافة بدولة الإمارات من 1974 حتى عام 2000 ومشاركة في أكثر من 150 معرض عالمي باسم دولة الإمارات.
- أول امرأة عربية تتولى منصب مفوض عام لجناح دولة عربية (دولة الإمارات العربية المتحدة) في المعارض العالمية (اشبيلية بإسبانيا عام 1992 ولشبونة بالبرتغال عام 1998 وإكسبو هانوفر بألمانيا عام 2000).
- مدير إدارة المعارض بوزارة الإعلام والثقافة بدولة الإمارات من 1974 حتى عام 2000 ومشاركة في أكثر من 150 معرض عالمي باسم دولة الإمارات.
- أول امرأة عربية تتولى منصب مفوض عام لجناح دولة عربية (دولة الإمارات العربية المتحدة) في المعارض العالمية (اشبيلية بإسبانيا عام 1992 ولشبونة بالبرتغال عام 1998 وإكسبو هانوفر بألمانيا عام 2000).
- تم تكريمها بوسام الريادة الإعلامية في يوليو 2007 بالقاهرة.
- رئيس مجلس سيدات أعمال الإمارات سابقاً( بالانتخاب).
- عضو مجلس سيدات أعمال الإمارات.
أجرت الحوار: رحاب عمورة
نشر سابقا في مجلة المضمار عام 2014