يعد الاعتقال وزج المواطنين الفلسطينيين في المعتقلات من أكثر الأسلحة استخداماً من قبل الاحتلال الإسرائيلي. لقهر إرادتهم الوطنية، واستمر ذلك على مدى سنوات طويلة بحق المعتقلين واستخدم شتى الوسائل والأساليب في التعذيب والقهر على الرغم من توقيعه لاتفاقية جنيف الخاصة بالأسرى منذ العام 1949 والتي تقضي بعدم «الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية أو إهانة الكرامة الإنسانية» إلا أن كل ما يقوم به ويفعله مناقض لما تم التوقيع عليه، وذلك يعود إلى أن الاحتلال الإسرائيلي لا يعتبــرهم أسرى وفق اتفاقية جنيف. إنما هم «سجناء أمنيون».
فمنذ العام 1967 وحتى التاريخ الحالي، قام الاحتلال باعتقال ما يقارب 650 ألف مواطن فلسطيني أي ما يساوي 20% من عدد الفلسطينيين في الضفة والقطاع، لا يزال منهم (9300) قيد الاعتقال يتوزعون على 30 معتقلاً وسجناً.
وتتراوح الفترات التي قضوها بين عقود طويلة وعدة أشهر، يعانون خلالها شتى أنواع التعذيب، وما من بيت فلسطيني يخلو من أسير أو أكثر. لهذا تعتبــر قضية الأسرى إضافة إلى كونها قضية سياسية، قضية اجتماعية طالما عانى منها وتأثر بها المجتمع الفلسطيني.
ولم تتطرق اتفاقية أوسلو التي وقعها الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي في واشنطن عام 1993. لأي بند خاص بقضية الأسرى، تركت هذه القضية بالغة الأهمية لإسرائيل لتتعامل معها وفق ما أسمته «مبادرات حسن النية» وأشير إلى قضية الأسرى في اتفاقية القاهرة (غزة/ أريحا) الموقعة عام 1994، فنصت على أن «يتم الإفراج عن حوالي 5000 أسير فلسطيني من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة»، لكن إسرائيل لم تلتزم كعادتها. والأكثر من ذلك أنها أجبــرت الذين أفرجت عنهم بالتوقيع على إقرار بموافقتهم ودعمهم «لعملية السلام بين الطرفين.. ورغم ذلك أبقت بعضهم قابعاً في السجون».
الأطفال الأسرى:
تعتقل السلطات الإسرائيلية ما يقارب 344 طفلاً وطفلة في السجون الإسرائيلية يحتجز معظمهم في (قسم الأشبال) بسجن هشارون معظمهم دون الثامنة عشرة. وبينما يعتبــر أي شخص دون الثامنة عشرة 18 من العمر طفلاً «حدثاً» بالقانون الإسرائيلي المحلي والقانون الدولي وحسب تعريف الحدث الوارد في قواعد الأمم المتحدة بشأن حماية الأحداث المجردين من حريتهم الذي اعتمد بقرار الجمعية العامة 45/113 المؤرخ في 14 كانون الأول (ديسمبــر) 1990.
فإن الأطفال الفلسطينيون بعمر 16 يعرفون كبالغين وذلك حسب القوانين العسكرية التي يطبقها الجيش الإسرائيلي في المناطق والأراضي المحتلة. ويتم حرمانهم من المعاملة الخاصة لهم كأطفال حسب ما تنص عليه المواثيق الدولية الخاصة بحماية الأحداث المجردين من حريتهم.
التحقيق
تقدم قوات حرس الحدود على اعتقال الأطفال الفلسطينيين بشكل روتيني، على الحواجز العسكرية أو من بيوتهم، وغالباً ما يتم اعتقالهم في ساعات الليل أو في الصباح الباكر، ويتم استجوابهم حال وصولهم إلى مركز الشرطة ويجري تكبيل أيديهم وتعصيب أعينهم عقب اعتقالهم، وتمارس الكثير من الضغوطات عليهم، ويتعرضون للتهديد والإهانة خلال استجوابهم ويتم استخدام أسلوب الضغط النفسي والجسدي لانتزاع اعتراف من قبل الطفل مما يدفع بعض الأطفال إلى الاعتراف بأنهم قد قاموا بــرشق الحجارة ويطلب منهم تحديد عدد المرات التي رشقوا فيها الحجارة وقد يحددها بعضهم من 50 إلى 70 مرة أو أكثر ويوقعون تحت الضغط والخوف على إفادات وأوراق يجهلون محتواها. يوضع الطفل في حالة عزل كاملة عن أهله ولا يتم إخبار محاميه، حيث لا يلتقي بمحاميه بفترة التحقيق الأولى ويقتصر عالمه على لقاء المحققين ويكون الاعتراف بــرمي الحجارة وهو الطريق للخلاص من المحقق والضرب.
التعذيب
يستخدم التعذيب في حالات كثيرة بهدف انتزاع اعتراف من الطفل الذي يحتجز لأربعة أيام مبدئياً يتم تمديدها لأربعة أخرى بأمر من قبل طاقم التحقيق، فيما يتوجب أن يمثل أمام المحكمة العسكرية بعد انتهاء الثمانية أيام، مما يشكل مخالفة للمعايير الدولية بما فيها المبدأ 21 من مجموعة المبادئ الخاصة بحماية جميع الأشخاص الخاضعين لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن والمادة 40 (2) (4) من اتفاقية حقوق الطفل التي تنص أن «كل طفل محروم من حريته يجب أن يعامل بإنسانية واحترام لكرامته الملازمة لشخصه كإنسان وعلى نحو يأخذ بعين الاعتبار احتياجات الأشخاص الذين هم في سنه..».
حرمان من التعلم
وبالرغم من أن معظم الأطفال المعتقلين هم من الطلاب إلا أن إدارة السجن تتجاهل حقهم بالتعلم فلا توفر لهم الإمكانيات ولا الظروف الملائمة لدراستهم بالرغم من أن التشريعات والقوانين الإنسانية تحرم منع الطفل من التعلم. حيث يعتبــر هذا انتهاكاً صارخاً للقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء المتعلق بالتعليم والترفيه. تتخذ إجراءات لمواصلة تعليم جميع السجناء القادرين على الاستفادة منه، بما في ذلك التعليم الديني في البلدان التي يمكن فيها ذلك، ويجب أن يكون تعليم الأميين والأحداث إلزامياً، وأن توجه إليه الإدارة عناية خاصة يجعل تعليم السجناء، في حدود المستطاع عملياً، متناسقاً مع نظام التعليم العام في البلد، بحيث يكون بمقدورهم، بعد إطلاق سراحهم، أن يواصلوا الدراسة دون عناء.
الأسـيرات:
شاركت المرأة إلى جانب الرجل في دورها الوطني والنضالي وفي مقاومة الاحتلال، ومنذ العام 1967 اعتقلت قوات الاحتلال نحو ( 10000 ) عشرة آلاف مواطنة، ومنهن نحو (500 مواطنة) خلال الانتفاضة الحالية، وزجت بهن في زنازين وغرف التحقيق وفي السجون المظلمة ذات الظروف القاسية .
وتعرضت المواطنة الفلسطينية لأساليب قمع وتعذيب وحشية وأنواع مختلفة من الضغط النفسي، وتتعرض الأسيرات لنفس الظروف القاسية والمعاملة الإنسانية ويحتجزن في أماكن وظروف لا تليق بالحياة الآدمية، دون مراعاة لجنسهن أو احتياجاتهن الخاصة، وأن شرطة المعتقل والسجانات يقومون دائماً باستفزاز الأسيرات، وتوجيه الشتائم لهن والاعتداء عليهن، كما يتعرضن للتفتيش العاري المذل، خلال خروجهن إلى المحاكم أو من قسم إلى آخر.
لكنها ناضلت وصبــرت وصمدت في وجه السجن وقساوة السجان، وشكلت الحركة النسوية الأسيرة تجربة مميزة وإن تشابكت في تجربتها مع مجمل التجربة الجماعية للأسرى، لكنها اكثر ألماً ومعاناة، فهي الأم التي أنجبت أطفالها داخل السجن، وهي الأم التي حرمت من أبنائها، وهي الطالبة التي حرمت من مواصلة حقها في التعليم، وهي المرأة التي تعاني المرض في ظل الإهمال الصحي المتبع في سياسة إدارة السجون، وهي المرأة التي صبــرت سنوات طويلة خلف القضبان وهي .. إلخ.
ورغم ذلك بقيت الأسيرة الفلسطينية واقفة بعناد وصمود ولم تهتز قناعاتها الوطنية وإيمانها وانتمائها بقضيتها فتحملت الكثير من التضحيات والآلام لحماية كرامتها وشرفها والدفاع عن وجودها الإنساني بشكل مشرف، وسجلت تجربة المرأة الفلسطينية أروع وأنبل الشهادات التاريخية المليئة بالتضحية والإيثار.
اعتقلت قوات الاحتلال خلال انتفاضة الأقصى والاستقلال قرابة (500) مواطنة.
ـ 117 أسيرة لا يزلن رهن الاعتقال (1.2 % من إجمالي عدد الأسرى).
ـ107 أسيرات من المحافظات الشمالية (الضفة الفلسطينية)، و6 أسيرات من القدس، و4 أسيرات من المحافظات الجنوبية (قطاع غزة)
ـ منهن 5 أسيرات لم تتجاوز أعمارهن الـ 18 عاماً. و(18) أسيرة اعتقلن خلال العام الماضي 2005.
بقلم: رحاب عمورة
نشر سابقا في مجلة الحرية عام 2006