تتوالى العمليات الإرهابية في دول المنطقة والتي كان آخرها هجوما استهدف مجلس عزاء بمحافظة صلاح الدين في العراق، ما أسفر عن مقتل 8 وإصابة 19 آخرين، بينهم عناصر أمنية، فيما سقط صاروخ داخل شركة مصافي الشمال في المحافظة ذاتها دون التسبب بخسائر بشرية، وسبق هذه العمليات، تفجير شهده سوق الوحيلات في مدينة الصدر شرقي العاصمة العراقية بغداد وراح ضحيته عشرات القتلى والجرحى من المدنيين، وتبناه تنظيم داعش.
أما أفغانستان والتي تعد مركزا رئيسيا للقوات الأميركية في المنطقة منذ نحو 20 عاما، فما إن أعلنت واشنطن قرب انسحاب قواتها تلك حتى عادت حركة طالبان المتشددة وبسرعة غريبة إلى التمدد، وباتت تسيطر على نحو 85 % تقريبا من البلاد، وترافق ذلك مع ازدياد أعمال العنف من قبلها ضد المدنيين.
كل ذلك يعيدنا إلى المربع الأول، ماذا كانت تفعل الولايات المتحدة منذ 20 عاما عندما أعلنت الحرب على الإرهاب ونشرت قواتها في شتى بقاع الأرض، لأجل هذه الغاية؟!
على مدى السنوات الطويلة الماضية، شنت التنظيمات الإرهابية المتعددة الكثير من العمليات ضد المدنيين، وفي كل عملية يتجدد شعار غامض ومطاط هو الحرب على الإرهاب، والتي مازلنا نعيش على وقعها حتى الآن، هذه الحرب بدأت فعلياً وانطلقت شرارتها عندما أعطى الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن إشارة الانطلاق مباشرةً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 التي زعزعت العالم وأربكته وراح ضحيتها نحو 3000 قتيل، موجها أصابع الاتهام إلى تنظيم القاعدة الإرهابي والذي كان يتواجد في أفغانستان القابعة حينها تحت حكم حركة طالبان المتشددة، وما هي إلا أسابيع من ذلك التاريخ حتى أطاحت قوات دولية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بحكم “طالبان”.
وخلال السنوات التي قضتها القوات الأميركية في أفغانستان توسعت قواعدها العسكرية وزاد عتادها وعدد قواتها ليبلغ عام 2011 ، مئة ألف عسكري أميركي، إضافة إلى 50 ألف آخرين من عدة دول غربية أخرى ضمن قوات حلف الناتو، وكل ذلك بحجة القضاء على حركة طالبان وتنظيم القاعدة الإرهابيين.
في العام ذاته أي 2011، كان الإنجاز الأهم للولايات المتحدة بقيادة الرئيس باراك أوباما حيث استطاعت بعملية عسكرية للكوموندز الأميركي القضاء على زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في مخبئه بباكستان ورمت جثته في البحر.
وبعد ثلاث سنوات أي عام 2014 قرر حلف الناتو إنهاء مهمته في أفغانستان، وسحبت الدول قواتها من هناك، مع بقاء 12 ألفا و500 عسكري بينهم 9800 أميركي لتدريب القوات الأفغانية والمساعدة في عمليات مكافحة الإرهاب، إلا أن حركة طالبان عادت للتوسع ما أدى لتدهور الوضع الأمني بشكل كبير، وليظهر في البلاد ضمن هذه التركيبة كلها تنظيم داعش عام 2015.
لتعود التعزيزات الأميركية إلى أفغانستان تحت مسمى الحرب على الإرهاب لاسيما عام 2017 عندما تولى الرئيس دونالد ترامب الحكم في الولايات المتحدة، إلا أن ذلك لم يمنع الهجمات الإرهابية الدموية بل زادت كثافتها، وهو ما دفع واشنطن إلى إجراء محادثات سرية عام 2018 مع حركة طالبان، تتعهد خلالها الولايات المتحدة بخفض وجودها العسكري في أفغانستان مقابل أن تمتنع طالبان عن إيواء الجماعات الإرهابية في البلاد كتنظيمي القاعدة وداعش.
هذه المحادثات السرية أفضت إلى اتفاق بين الطرفين عام 2020 ، والذي نص على الانسحاب الأميركي الكامل من أفغانستان مقابل أن تجري “طالبان” محادثات مع الحكومة الأفغانية وتخفف وتيرة العنف.
وفي نيسان عام 2021 أعلن الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن أن الموعد النهائي للانسحاب سيكون في 11 سبتمبر أي في الذكرى العشرين لأحداث سبتمبر 2001، وبالفعل بدأ في مايو رسميا انسحاب آخر العسكريين الأميركيين من افغانستان، لتستولي حركة طالبان منذ ذلك الوقت وبسرعة كبيرة على مساحات واسعة وأقاليم عديدة في البلاد، مع ازدياد عنفها ضد المدنيين.
بالعودة إلى العراق، الذي يشهد مؤخرا عمليات إرهابية كثيرة، بدأت الولايات المتحدة بإدخال قواتها إليه 2003 تحت بند “نزع أسلحة الدمار الشامل في العراق ووقف دعم صدام حسين للإرهاب وتحرير الشعب العراقي”، لترسل واشنطن حينها قرابة 150 ألف جندي لهذه المهمة، وتنشئ القواعد العسكرية على امتداد البلاد، لكن ذلك كان له تبعات كثيرة وخطيرة فهو كان سببا وحجة لتشكل العديد من الحركات والتنظيمات الخطيرة في العراق بدعوى محاربة الوجود الأميركي، وعلى رأس هذه التنظيمات تنظيم داعش الذي تأسس عام 2004 على يد أبو مصعب الزرقاوي منبثقا من تنظيم القاعدة الإرهابي، إضافة لحركات أخرى كانت تابعة لولاية الفقيه في إيران ومنها كتائب حزب الله العراقي وغيرها.
في عام 2011 أعلنت الولايات المتحدة الانسحاب من العراق، وبالفعل سحبت كل قواتها لكنها عادت عام 2014 على رأس ائتلاف جديد لمحاربة داعش الذي شن وقتها هجوما عسكريا شمال العراق وأعلن الخلافة الإسلامية في جميع أنحاء العالم، وتوسع نفوذه في البلاد على مدى سنوات إلى حين فقدان سيطرته على مساحات شاسعة عام 2017 سواء في العراق أو سوريا التي تمدد فيها أيضا، وفي 2019 كان الإنجاز الثاني للولايات المتحدة بقتل زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي في سوريا حيث كان مختبئا.
والآن في عام 2021، ومع إعلان واشنطن انسحاب قواتها من العراق مازالت الحركات الإرهابية وعلى رأسها داعش موجودة تمارس إرهابها على المدنيين.
ليكون نتيجة الحرب على الإرهاب التي شنتها الولايات المتحدة منذ 20 عاما هي مقتل شخصين فقط، بينما التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش وحركة طالبان مازالوا موجودين، وهناك تخوف كبير بتمددهم في المنطقة مع إعلان واشنطن سحب قواتها من أفغانستان والعراق، فماذا كانت تفعل واشنطن خلال هذه السنوات؟!
بقلم: رحاب عمورة