لأن التراث هو الأصالة والجذور التي نبتنا منها، ولأن الشعر النبطي يشكل أحد أهم مكونات الموروث الشعبي لدولة الإمارات ودول منطقة الخليج العربي، وهو التاريخ الذي يحكي لنا قصص الأجداد، ويحفظ حكاياتنا ليرويها للأجيال القادمة، لابد من المثابرة عليه ليكون الصوت الصادح بين صخب الحياة المعاصرة، وفي السنوات الماضية كثرت برامج الشعر الشعبي التي تحتفي بإرث عميق أرّخ لأمة جذورها ضاربة في عمق الأرض، وأظهرت أن الشعر النبطي والذي يعتبر إرث الأجداد، لم ولن يندثر بل سيبقى ممتدا عبر الأجيال.. لتساهم هذه البرامج بظهور جيل جديد من شعراء الشعر الشعبي.
الشعر النبطي هو بيت القصيد
ومن البرامج التي ظهرت على الساحة الشعرية وكان لها تفوق كبير على مدى ثلاثة مواسم هو برنامج “البيت”، الذي استطاع أن يدمج أصالة الماضي بتكنولوجيا الحاضر ويشكلان معا خلطة فريدة من نوعها هي من نتاج فكر سمو الشيخ حمدان بن محمد آل مكتوم ولي عهد دبي، وبإشراف وإنتاج مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث.
فالشعر النبطي في برنامج البيت كان هو أصل الحكاية وهو بيت القصيد، والذائقة الشعرية والإبداع هما الفائزان في النهاية.. أما الغاية المنشودة فهي البحث عن جيل جديد من الشعراء الشباب، وبالفعل – وحسب رأي العديد من الشعراء الذي شاركوا فيه – استطاع البيت أن يفسح المجال للكثير منهم أن يكّون له موطئ قدم في الساحة الشعرية.
“البيت” هو جامعة للإبداع
حول ما قدمه البرنامج لمشاركيه قال سعادة عبدالله حمدان بن دلموك الرئيس التنفيذي لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث.. إن البرنامج بحد ذاته تبنياً للشعراء، فمشاركة الشاعر بالبرنامج تنقله إلى مرحلة متقدمة في مسيرته، ونجاحه في البرنامج وحده يضعه في مصاف كبار الشعراء ويعطيه دعماً أكبر، فأغلب الشعراء الذين فازوا غير معروفين سابقاً، والبرنامج وضعهم على طريق الظهور للعلن.
وأوضح بن دلموك أن العديد من الجامعات تدرس الإبداع وتمنح شهادات بذلك، وبالتالي برنامج البيت اعتبر جامعة للإبداع، فالشعر إبداع يختصر معان كثيرة في شطر بيت، والبرنامج بفضل الله وسمو الشيخ حمدان بن محمد كان محطة للإبداع بكل معنى الكلمة.
وبين بن دلموك أهمية الشعر النبطي بقوله.. إن 90 % من تاريخ الأمة العربية تم تأريخه بفضل قصائد وأبيات شعرية، فعلى سبيل المثال وصف الشاعر الإماراتي الماجدي بن ظاهر منذ ما يقرب 400 سنة في قصيدة له، 28 منطقة من الإمارات، وهو ما يعتبر كتوثيق لجغرافيا المنطقة.
الدوسري: برنامج البيت منحي لقب “شاعرة”
وفي تواصلنا مع عدد من الشعراء الذين شاركوا في البرنامج وفازوا بفقراته حدثتنا مروة الدوسري.. حيث قالت إن البرنامج حقق أهدافه بتحريك الساحة الشعرية والموروث إضافة لتفاعل الناس مع الشعر النبطي بشكل غير مسبوق من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي يعتبر استخدامها طفرة في عالم برامج الشعر، فلم يكن الشاعر مضطرا للقدوم من أجل المشاركة بل كان مجرد دخوله لبرنامج التواصل “تويتر” وكتابة بيت شعر حول الصورة في فقرة “نبض الصورة” أو أن يكمل بيت الشعر الذي وضع “صدره”، كان كافيا ليصبح مشاركا رسميا بالبرنامج.
وحول كيفية تأثير مشاركتها في البرنامج على مسيرتها الشعرية أضافت الدوسري.. إن البرنامج أعطاها دفعة معنوية قوية حتى أن إنتاجها الشعري زاد عن السابق، لافتة إلى أن البرنامج هو من منحها لقب شاعرة وباتت معروفة في محيط مجتمعها.
وأشارت الدوسري إلى أن البرنامج عرّف الجمهور على نخبة كبيرة من الشعراء الشباب، الذين كانوا يبحثون عن موطئ قدم لهم في الساحة الشعرية، والبرنامج مكّنهم من تحقيق ذلك.. مبينة أنها هي نفسها لازالت تذكر الشاعر هادي بن زابن الذي فاز بيته القائل “محبتك خلتني بين اختيارين.. أما وجودي معك أو يا وجودي”، مؤكدة أن الشاعر وبيته مازالا مطبوعين في ذاكرتها، ولابد أن الجمهور مثلها تأثر بكثير من الشعراء المشاركين وبات يعرفهم بالاسم.
وفي معرض حديثها معنا قدمت لنا بيتين من الشعر:
اعمل بعقلي وطيبي حسن نيه
وسامح الله دنيتي لو ما افزعوالي
عرفتني بناس تاخذها الحميه
وأنا تاخذني على الحكمه فعولي
المقبل: “البيت” كان عرّاب موهبتي في الساحة الشعرية
أما بشاير المقبل وهي فائزة ثانية في برنامج البيت فقالت.. إن البرنامج كان بمثابة العرّاب الذي أظهر موهبتها في الساحة الشعرية، وأنها باتت معروفة جداً بعد البرنامج ومازالت مشاركتها تتردد على ألسن متذوقي الشعر حتى اليوم.
وأضافت المقبل.. أن البرنامج فتح لها المجال أكثر للمشاركة بالأمسيات الشعرية التي باتت تدعى إليها، لافتة إلى أن برنامج “البيت” سبق كل برامج المسابقات الشعرية لأنه ركز على تكريم المبدعين والإبداع بغض النظر عن أسماء النجوم والمسيطرين على الساحة الشعرية، مشيرة إلى أنه يهتم بالشعر والمبدع بحد ذاته سواء كان جديداً أو قديماً .
ولفتت المقبل إلى أنها تتذوق الشعر النبطي منذ نعومة أظافرها لأنه موروث شعبي أصيل، ومع الوقت باتت تكتب الشعر متناولة شتى المواضيع من الوطني إلى العتب والغزل، كما أكدت أنها تشارك حاليا في برنامج فرسان القصيد للشعر النبطي أيضا، كما قدمت لنا أبيات شعر من كتابتها:
واليا اشتعل قلبك غضب لا تطيعه
القاع خله للردي، واسبق الطير
عدو عينك من ترك هالوسيعه
ولا انذكر في هرج الاجواد بالخير
القحطاني: برنامج البيت كان منبرا للشباب
بدورها قالت مرام القحطاني .. إن مشاركتها كانت مميزة جدا فقد كانت أول امرأة تفوز بالبرنامج، لافتة إلى أن مشاركة النساء في الشعر قليلة نسبة إلى الشعراء الرجال، وهو ما زاد من فرحتها بالفوز حينذاك.. مبينة أن طريقة المشاركة في البرنامج هي التي حفزتها على المشاركة مؤكدة ثقتها بأنه سيتم إنصاف الشعر الحقيقي بغض النظر عن كاتبه،
وأضافت القحطاني إن البرنامج زادها ثقة بنفسها وبالشعر الذي تكتبه، كما زادها جماهيرية حيث بات اسمها معروفا أكثر من قبل واستطاعت أن تخط لنفسها مكانا بين شعراء جيلها.. موضحة أن الشعر النبطي هو موهبتها الأولى فهي تقرض الشعر في كل الأوقات ولا تنتظر مناسبة معينة لكتابته.
وأكدت القحطاني أن الكثيرين ممن فازوا في برنامج البيت ليسوا من الأسماء المعروفة سابقاً، حيث وجدوا لأنفسهم منبراً يوصل صوتهم وموهبتهم، لافتة إلى أن أكثر الفائزين هم من الشباب، وكانوا يطمحون لموطئ قدم لهم على الساحة الشعرية.
ومنحتنا القحطاني أيضا أبياتا من شعرها:
وجه ذنبي من كثر ماهو قبيح
أشعر انه بين توباتي.. ينام
ومن جلال أمي كثر ماهو مريح!
بعد ما صلي به أشمّه وانام
السهلي: “البيت” منحني فرصة الظهور الإعلامي للعلن
من جهته قال صالح السهلي وهو أيضا أحد الفائزين في برنامج البيت.. إن البرنامج قدم لهم فرصة خوض المنافسة مع أقرانهم من الشعراء، كما منحهم فرصة الظهور الإعلامي للعلن، لافتا إلى أنه أصبح متواجدا بشكل أكبر في المحافل الرسمية والشعبية الخاصة بالشعر إضافة للمناسبات الوطنية.
وأضاف السهلي.. أنه شارك بعد البرنامج بالكثير من الأمسيات الشعرية، وباتت له مشاركات عديدة مع بعض الفنانين، ومنها قصيدة “غالي علي غالي” التي قدمها للمنشد الفنان عبد العزيز العليوي، وغيره من الفنانين.
وقدم لنا أيضا بعض الأبيات من الشعر النبطي:
تسامحوا.. حبّوا بعض كونوا اصحاب ..
قبل يروح الوقت كلّه عليكم
ياكثر : كثر اللي رحل فجأة وغاب ..
تواصلوا ، دام الوصل في يديكم !
ومع كل هذه الشهادات تتبين أهمية برامج الشعر النبطي في إظهار جيل جديد من الشعراء الشباب، وقدرتها على اكتشاف طاقات جديدة وتقديمها للساحة الشعرية وهذا ما يمكن أن يعتبر تغييراً في الخارطة الشعرية الخليجية، كما استطاعت هذه البرامج ومنها برنامج “البيت” أن تعيد ترتيب أوراق كثيرة وتشكل خارطة جديدة في الساحة الشعرية، فقد جاء برنامج “البيت” ليكرس تراث الأجداد في الشعر النبطي ويكتشف مبدعين جدد فيه من جيل الشباب بأسلوب عصري من خلال استخدام الوسيلة الاجتماعية “تويتر” ليندمج القديم بالحديث منتجين توليفة رائعة تتناسب مع جيل يسعى نحو الحضارة لكنه متمسك بموروث شعبي أصيل.
تحقيق: رحاب عمورة
أجري التحقيق عام 2019